سياسة

ديفيد هيل في بيروت لوداعها… ما مدى الاهتمام الأميركي بالملف اللبناني؟

بينما تتقارب الآراء لتقول إن لبنان ليس على رأس أولويات الإدارة الأميركية الجديدة في الوقت الحالي، وهو ما يترك لفرنسا القيام بذلك في هذا المجال، فإنّ زيارة وكيل وزارة الخارجية للسياسة الخارجية ديفيد هيل المقررة يوم الأربعاء المقبل على الأرجح، تلقي ضوءاً على حيز الاهتمام الأميركي بالملف اللبناني.

الاهتمام الأميركي الذي لا يخرج من تحت العباءة الإسرائيلية، ينصب على إضعاف حزب الله، وترسيم الحدود لتأمين مصالح إسرائيل الاقتصادية. أما جمهور هيل المحب والذي ينتظره بفارغ الصبر فينتظر بخفي حنين وحذر بعد أن كشف صديقهم من بلاد العم سام عن إنفاق واشنطن لـ10 مليارات دولار في لبنان خلال 10 سنوات بهدف “شراء الأصدقاء”، دون أن يجني شيئاً في المقابل.

الأصدقاء المُشتَرون والذين فشلوا في تحقيق رغبات الشاري، سيقدمون فروض الطاعة للمرة الأخيرة، بحسب سياسي مطلع، ولن يعود بإمكانهم تكبير وعودهم بتنفيذ مشروع لبنان البديل، دون أن يكون لدى الزائر الأميركي، أدنى شك أن هذه القوى لا تملك قدرة ذاتية على إنتاج متغيرات في الواقع السياسي.

وبحسب المعلومات الأولى، فإن زيارة المسؤول الأميركي، الذي سيزور عدة عواصم عربية أخرى، يختتم مهمته التي بدأت في عام 2018. وبحسب تقارير أميركية فإن هيل قد وضع تقييمًا نهائيًا للوضع اللبناني والإقليم، وسيقدم تقريرّا بذلك إلى الإدارة الأميركية قبل الانسحاب من مركزه لصالح وكيلة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، المعينة من قبل الرئيس جو بايدن ويندي شيرمان. التي تُعد من معسكر “الحمائم” والمعروفة بفنها التفاوضي. والتي أطلق عليها الإعلام الفرنسي لقب “السيدة إيران” لدورها الكبير في المفاوضات مع طهران حول الطاقة النووية خلال ولاية باراك أوباما. وشيرمان، التي شغلت سابقًا منصب وكيل وزارة الخارجية لأول مرة بين عامي 2011 و2015 تنتظر المصادقة على تعيينها من قبل مجلس الشيوخ بعد عودته إلى العمل التشريعي اليوم الإثنين بعد عطلة الربيع.

وإلى جاني شيرمن سيكون هناك، فكتوريا نولاند، التي اختارها بايدن في المنصب الثالث بعد بلينكن وشيرمن. ونولاند “الشرسة” بحسب تعبير الإعلام الأميركي، كانت سفيرة بلادها في حلف الناتو وشغلت مهام متعددة في مناطق أوروبا وأوراسيا شهيرة بشتمها الاتحاد الأوروبي، يوم زارت سفير بلادها في العاصمة الأوكرانية كييف أثناء “الثورة البرتقالية” في العام 2014، ونزلت إلى ساحات التظاهر، ما اضطرها إلى تقديم الاعتذار لدول الاتحاد آنذاك.

وإلى حين تولي المرأتان منصبهيما الجديدين، في غضون ذلك، سيتعين على ديفيد هيل، المطلع تمامًا على الملف اللبناني الذي كان سفيراً في بيروت بين عامي 2013 و2015، وله صداقات في الأوساط اللبنانية المولعة بالدور الأميركي، أن يمهد الطريق لخليفته بعد أن يدرس مع محاوريه المحليين احتمالات الإنقاذ المأمولة وتقديم نظرة مستقبلية.

وفيما لم يتم الكشف عن جدول الاجتماعات الرسمية وبرنامجها، فمن الطبيعي أن الزائر الأميركي قد خطط الدبلوماسي الأميركي للقاء الرؤساء الثلاثة وقيادات ما كان يُكنّى بقوى 14 آذار وشخصيات أخرى من النشطاء السياسيين ومجموعات من “المجتمع المدني” لاستطلاع نظرتهم للواقع اللبناني، لزوم المواد الدرامية لتقريره السياسي.

استطلاع الآفاق مع الفريق الذي يعرفه هيل جيداً ليس خبز الرحلة وملحها، مع لبنان الرسمي سيكون ملف ترسيم الحدود البحرية الذي عُلّق منذ أشهر. وفي الوقت الذي يتخبط فيه المسؤولون اللبنانيون في ملف ترسيم الحدود، بعد المماطلة في توقيع تعديل المرسوم 6433 الصادر عام 2011، بما يتيح تثبيت حق لبنان بالمزيد من المناطق البحرية عند الحدود مع فلسطين المحتلة سيحط ديفيد هيل ليزيد الطين بلّة.

وفي عين مصادر متابعة، خشية أن تكون الزيارة الوداعية للملف اللبناني هي الطلب من لبنان التراجع عن مطلبه بضمّ مساحة 1430 كيلومتراً إضافية إلى منطقته الاقتصادية الخالصة. وهو مطلب كانت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا ضغطَت لأجله قبل إعلان وقف المفاوضات.

ومن المعروف أن هيل كان من الوجوه الدبلوماسية الأميركية التي تولت ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المحتل حين كان سفيراً في بيروت. ولديه النظرة الكافية على كل ما يدور من صراع حول هذا الملف.

هيل، الذي تدعم حكومته حتى الآن ضمناً المبادرة الفرنسية، وبحسب مصادر مطلعة، لا يأتي حاملاً لأفكار جديدة لإخراج لبنان من الدوامة القاتلة التي غرق فيها ولا بحث كيفية إخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها. وهو كان قد قال صراحة خلال زيارته الأخيرة عقب تفجير مرفأ بيروت الكارثي: “لا يجب أن يكون هناك إنقاذ مالي، عندما ترى أميركا وشركائها الدوليين القادة اللبنانيين ملتزمين بتغيير حقيقي، بتغيير قولًا وفعلًا، سوف يستجيبون للإصلاحات المنهجية بدعم مالي مستدام”. بل يأتي للإصغاء إلى آراء الجماعات السياسية من الأزمة المعقّدة والبحث في البدائل المتاحة لتضمينها في تقريره النهائي والأخير الذي يقدمه لإدارته حول لبنان.

وفي المشهد السياسي المتأزم، يقول سياسي مطلع أن الفرنسي والأميركي والمصري وغيره لا أحد أن يفعل شيئاً في الوقت الحالي. ويعلّق السياسي أن “رقصة الفالس للمبعوثين والدبلوماسيين مستمرة، وزيارات سعد الحريري في المنطقة وقريباً للفاتيكان عبثية وعديمة الجدوى، بينما لبنان ممزق”. وزيارة هيل بعد ثمانية أشهر من استقالة حكومة حسان، وفي حين لا يزال تشكيل حكومة جديدة يتعثر بسبب المواجهة الصعبة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، لن تأت بجديد يذكر.

ومن المتوقع أن يردد هيل للمسؤولين اللبنانيين المنتخبين كلاسيكية الخطاب الأميركي، عن الحاجة الملحة أن يضعوا جانباً الهموم الحزبية والمكاسب الشخصية، ويضعوا مصلحة البلد أولاً. وتحمل المسؤولية لانتشال اللبنانيين من الأزمات التي يعيشونها.

في أيامه البيروتية أيضاً، سيُملي الزائر الأميركي في كلمات خطابه للمسؤولين اللبنانيين لازمة الخضوع لمطالب الشعب وحث القادة السياسيين في لبنان على الالتزام بمطالب مواطنيهم، وإلى إجراء إصلاحات هادفة ومستدامة يمكنها أن تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن.

ومن كلاسيكيات الخطاب الأميركي سيعيد هيل التأكيد على دور القوى الأمنية والجيش اللبناني ودعم بلاده لهذه المؤسسات العسكرية من تدريب وتمويل.

وحدها مشكلة تشكيل الحكومة، قد لا تعبر في جلسات هيل، وإن كانت بلاده لديها ثابتة وحيدة وهي أنها لا ولن ترحب بتولي حزب الله وزارات أساسية في الحكومة الجديدة.

رئيس معهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، بول سالم، يعتبر أن ثمة نهج أميركي جديد باتجاه التطورات الأخيرة في لبنان. ورغم النظرة السائدة أن ثمة ابتعاد أميركي عن الشأن اللبناني، فإن واشنطن على ما يبدو مهتمة بعدم انهيار لبنان لأنها تُدرك أن الانهيار الكامل للبلاد والذي بات وشيكًا قد يؤدي إلى سيناريو كارثي.

السيناريو، الذي تخشاه واشنطن، أن يؤدي عدم الاستقرار المتزايد في لبنان إلى تعريض البلاد، في المستقبل القريب، لعودة الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، كما جاء في تقارير دبلوماسية، الأمر الذي قد يؤدي، من خلال رد الفعل، إلى سيطرة حزب الله الكاملة على البلاد، بحسب النظرة الأميركية. المشهد نفسه للسيناريو الأسود يثير قلق أوروبا، التي جُل ما تخشاه تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين إلى حدودها.

 

رانيا برو

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى